الأحد، 28 ديسمبر 2008

قصة قصيرة ليوسف رفعت - الميعاد الأخير...أو الأول

الميعاد الأخير....أو الأول

توا انتهيت من سيجارتى العاشرة .
احس بتوتر شديد كلما يسترجع عقلى اننى انتظر حضورها منذ ما يقرب من الساعة. تعودت ان تتاخر علىَ خلال الفترة الاخيرة ولم اكن اهتم بالسبب.
ها هى تدخل من باب المطعم .انهار غضبى تماما امام رؤياها .دائما ما ينهار ,كم حاولت ان اعبر عن حالتى التى تسبق حضورها متاخرة ولكنى لم استطع .بمجرد ان ارى ابتسامتها الطفولية العذبة حتى يندفع داخلى سيل من المشاعر الهادئة مطفئا نيران غضبى .
مدت يدها بالسلام , احتضنتها بكلتا يداى شاعرا بعذوبة روحها تتسرب الى من خلال مسام جلد يداى المتعطش الى ملامسة يدها الرقيقة.
جلست امامى صامتة ..ظللت صامتا ايضا لا ادرى ما اقول .كنت احس بسيل المشاعر يتدفق خارجا منى . كم تمنيت دوما ان تدرك تلك الرسالة الصامتة وتعرف ان صمتى وتأملى لها ما هو الا محاولة لتوصيل بعض من طاقة الحب التى يحتويها جسدى لها .
بدات هى الكلام بسؤالها المعتاد الذى يحمل بداخله الاجابة :
- إتاخرت عليك ؟
لم اجيب .ظللت انظر لها مبتسما محاولا ضخ كمية اكبر من طاقة الحب.
- اسفة . كنت مع.....
- عارف , مش مهم .المهم انك وصلتى
- استنى بس لما احكيلك . الحب دة جميل قوى يا اخى . مش عارفة اقول ايه عليه ,انا بحبه قوى . عارف اول ما قابلته انهاردة ...........
شرد ذهنى سارحاً فى ملامح وجهها الذى انطبعت عليه اقصى درجات السعادة والنشوة. لم اعد ارى سوى شفتان تتحركان وعينان تلمعان. كان كلامها عنه مثل ثعابين تخترق اذنى متسللة الى قلبى تعتصره اعتصاراً.
احسست بتشتت طاقة الحب التى كنت ما أزال احاول ايصالها لها . شيئا فشيئاً بدأت احس بنوع آخر من الطاقة كان لأول مرة يتنامى بداخلى ليحتل كل خلية من خلايا جسدى ..طاقة الغضب.
سؤال واحد فقط ظل يدور فى فلك عقلى المنهك , هو : لماذا تتجاهلين كل هذا ؟
- اسكتى !
قاطعتها بحدة جعلتها تتوقف تماماً عن الكلام .همدت حركة الشفتان وخبى بريق العينان واطل منهما تساؤل ملح .
خيم صمت كلام العيون على المكان قطعت هى امتداده بسؤالها :
- مالك ؟ فيه ايه؟
- مفيش حاجة ؟ عايزك تسكتى . ايه ما تعرفيش تسكتى.
- اسْكُتْ! . مش فاهمة حاجة . هو ايه اللى حصل ؟
رددت تساؤلها : هو ايه اللى حصل !
زممت شفتاى .حركت رأسى يمنة ويساراً وعيناى مثبتتان على عيناها اللتين كانا ما زالا يملؤهما التساؤل .
- عارفة .....انتى اغبى من انك تفهمى!
مالت برأسها مستفهمة وانضغطت المسافة ما بين حاجبيها المنمقين وتضائلت الفتحتان اللتان يطل منهما ذلك التساؤل الملح عما اقصده بهجومى عليها على هذا النحو.
انفجرت قنبلة الصمت الخرساء لتحطم الاحساس بالزمن. مرت الدقائق بطيئة وكأنها سنوات .كان يبدو انها تراجع خلالها كل شئ , تراجع بعقلها المعتاد على التحليل جميع معطيات الموقف الذى بدا غريباً تماماً عليها.لكن للاسف خانتها قدرتها هذه المرة. لم تستطع ان تجد تفسيراً مقنعاً لما حدث .اخيراً استرد الصمت لسانه المفقود.بادرتنى بالتساؤل:
- يعنى ايه ؟. انا مش فاهمة حاجة.
- مش فاهمة ! طبعاً . لان دة مش شئ يتفهم . دة شئ يتحس. وعموماً ...انا هكون ارحم منك . مش هسيبك فى حيرتك, هافهمك مع انك كان لازم تفهمى ... اه ماتستغربيش... كان لازم تفهمى انا ليه عارضتك لما بداتى علاقتك بيه ..طبعاً فاكرة ,كنتى بتقوليلى حريتى .طُز ...طُز فى اى حاجة .
طز ليه بقى ؟..لان انا بحبك . فاهمانى. بحبك وبس , والحب نفسه قيد ضد الحرية . المهم احنا بنشوف القيد ده ازاى . الحب بيخلينا نشوف القيد ده دهب ونحبه ونحب نلبسه ونتجمل بيه.
كنتى بتقوليلى اراء الفلاسفة فى الحب. برضه طُز....عارفة ليه . لان اللى حبك هو الانسان البسيط اللى جوايا .الانسان البدائى اللى مش مهتم غير بالمعنى البدائى للحب اللى هو مشاركة وبس . الفلسفة جميلة اوى بس لازم تعرفى ان اللى بيحب بيتحول لاعمى وعمر ما الاعمى هايبقى فيلسوف.
كان لازم تفهمى انى بحبك . كان لازم تفهمى ده يوم ما اتصطدمت لما عرفت علاقتك بيه وحاولت اخبى صدمتى .بس فشلت . انتى فهمتى بس للاسف محاولتيش تعملى حاجة فعلية . ايه بعنى طبطبتى عليا بجملة هبلة ملهاش معنى.
كان لازم تفهمى من كل التلميحات اللى حاولت اوصل من خلالها اللى عايز اقوله. كان لازم تفهمى انا ليه دايماً كنت ببقى مخنوق وتعبان . عارفة ليه ؟ طبعاً عمرك ما فكرتى! . كنت بتخنق لما كانت بتيجى سيرته او سيرة اى واحد ثانى قابلتيه . طبعاً متعرفيش ان الحب انانى.
ادينى فسرتلك انا كنت ليه دايماً ببقى مخنوق وتعبان وكنت ساعتها بتحجج بالشغل .فاكرة موضوع الارق اللى بيجيلى .طبعاً فاكراه دة انتى حتى بتسالينى دايماً اذا كنت خفيت منه ولا لسة . حتى دة كان اشارة للى انا فيه ولتفكيرى فيكى.
مالك مستغربة كدة ليه ... طب فاكرة لما حطيتى دماغك على كتفى ونمتى وانا لمست شعرك بخدى . ساعتها قلتها واضحة وصريحة انى بحبك ومش عايز حاجة تانى من الدنيا غير اننا نفضل كدة طول عمرنا . قلتها واضحة بس انتى للاسف ما حبتيش تسمعيها .
كنت اعمل ايه تانى عشان تفهمى وتحسى .عارفة....
عارفة ايه مشكلتى . مشكلتى ان حظى الوسخ بيخلينى اقابل الناس الغلط فى التوقيت الغلط والمكان الغلط .
يعنى باختصار ...كل حاجة غلط ...فى غلط.
نهضت وكل ما كان يسيطر علىَ هو احساس جارف بالحرية وباننى تخلصت من عبء ثقيل .وضعت يداى فى جيبى بنطالى وملت براسى نحوها قائلا:
- فهمتى ....جايز تكون فهمتى ...بس ما حستيش ...سلام
استدرت متوجهاً ناحية الباب بينما اسمع صوت سعد عبد الوهاب يشدو اغنيتة المحببة لى :
الدنيا ريشه في هوا طايرة بغير جناحين
إحنا النهارده سوا وبكرة هنكون فين
في الدنيا في الدنيا

يوسف رفعت
القاهرة فى 11-11-2008

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

اولا: القصة اعجبتنى جدا
ثانيا: اعجبنى الاسلوب و اختيار الكلمات مثل (حظى الوسخ) لان لما بيكون حد منتعصب بيستخدم كلمات سيئة و ساعاتها لا تفرق اذا كان شاعر و لا اديب و لا انسان عادى.
ممكن يكون لا يستخدم هذة الالفاظ وهو هادىء و فى حالته الطبيعية
اعجبنى ايضا ان البطل وصل حبه للبطلة فى اطار استهزائه بها
الله يوافقك يا يوسف فى مشوارك

ست الحسن يقول...

القصة دي أنا حاسة انها مش حقيقية
بمعنى ان البطل بيقولنا اللي كان نفسه يقوله للبطلة واللي مقالوش ولا مرة

حسيت كدة من صمت البطلة وإخفائها بالطريقة اللي تخلينا مش شايفين رد فعلها

الموقف ده علشان يتصدق محتاج رد فعل انساني وحقيقي من البطلة

بس تصاعد انفعال البطل كان مُوّفق جداً
وكان مناسب لحالته

والعنوان كمان عجبني

NABIL يقول...

الله يوفقك ويبارك فيك